الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
قال تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } الآية 44 سورة الزخرف
قَوْله تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْك يَا مُحَمَّد الَّذِي أَمَرْنَاك أَنْ تَسْتَمْسِك بِهِ لَشَرَف لَك وَلِقَوْمِك مِنْ قُرَيْش { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } يَقُول : وَسَوْفَ يَسْأَلك رَبّك وَإِيَّاهُمْ عَمَّا عَمِلْتُمْ فِيهِ , وَهَلْ عَمِلْتُمْ بِمَا أَمَرَكُمْ رَبّكُمْ فِيهِ , وَانْتَهَيْتُمْ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ فِيهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : حدثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حدثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : قَوْله : { وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك } يَقُول : إِنَّ الْقُرْآن شَرَف لَك . حَدَّثَنِي عَمْرو بْن مَالِك , قَالَ : حدثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك } قَالَ : يَقُول لِلرَّجُلِ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَيَقُول : مِنْ الْعَرَب , فَيُقَال : مِنْ أَيّ الْعَرَب ؟ فَيَقُول : مِنْ قُرَيْش . حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : حدثنا يَزِيد , قَالَ : حدثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك } وَهُوَ هَذَا الْقُرْآن . حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : حدثنا أَحْمَد , قَالَ : حدثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك } قَالَ : شَرَف لَك وَلِقَوْمِك , يَعْنِي الْقُرْآن . حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك } قَالَ : أَوَلَمْ تَكُنْ النُّبُوَّة وَالْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرًا لَهُ وَلِقَوْمِهِ . 1
يقول الله تعالى إِنَّ هذا القرآن الكريم { لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } أي: فخر لكم ، ومنقبة جليلة ، ونعمة لا يقادر قدرها ، ولا يعرف وصفها ، ويذكركم أيضا ما فيه الخير الدنيوي والأخروي ، ويحثكم عليه ، ويذكركم الشر ويرهبكم عنه ، { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } عنه ، هل قمتم به فارتفعتم وانتفعتم ، أم لم تقوموا به فيكون حجة عليكم ، وكفرا منكم بهذه النعمة .(2)
وقِيلَ مَعْنَاهُ لَشَرَف لَك وَلِقَوْمِك قَالَهُ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمَا وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ . وَابْن زَيْد وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيّ هَهُنَا حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن جُبَيْر بْن مُطْعِم عَنْ مُعَاوِيَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " إِنَّ هَذَا الْأَمْر فِي قُرَيْش لَا يُنَازِعهُمْ فِيهِ أَحَد إِلَّا أَكَبَّهُ اللَّه تَعَالَى عَلَى وَجْهه مَا أَقَامُوا الدِّين " رَوَاهُ الْبُخَارِيّ
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ شَرَف لَهُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أُنْزِلَ بِلُغَتِهِمْ فَهُمْ أَفْهَم النَّاس لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا أَقْوَم النَّاس بِهِ وَأَعْمَلهُمْ بِمُقْتَضَاهُ وَهَكَذَا كَانَ خِيَارهمْ وَصَفْوَتهمْ مِنْ الْخُلَّص مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَمَنْ شَابَهَهُمْ وَتَابَعَهُمْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ { وَإِنَّهُ لَذِكْر لَك وَلِقَوْمِك } أَيْ لَتَذْكِيرٌ لَك وَلِقَوْمِك وَتَخْصِيصهمْ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي مَنْ سِوَاهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } وَكَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى" وَأَنْذِرْ عَشِيرَتك الْأَقْرَبِينَ { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } أَيْ عَنْ هَذَا الْقُرْآن وَكَيْف كُنْتُمْ فِي الْعَمَل بِهِ وَالِاسْتِجَابَة لَهُ . (3)
المصادر :
1. تفسير الطبري
2. تفسير السعدي
3. تفسير ابن كثير
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
اللهم تقبل منا انك انت السميع العليم
واغفر لنا انك انت الغفور الرحيم
تقبل الله تعالى منا ومنك الصيام والقيام
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته